جودة التعليم

جودة التعليم

يعتبر التعليم هو الأساس والرافد الرئيسي لعملية تقدم المجتمع، ولا يكون ذلك إلا برفع مستوى التعليم لتطوير الكفاءات البشرية التي يؤدي إلى تطوّر المجتمع… ولذلك توليه الدول المتقدمة اهتماما بالغا وتحرص على جودته وذلك لخطورته.

ولقضية جودة التعليم أهمية بالغة لتعلقها مباشرة بالمنتَج وهو الطالب، أو لتعلقها بالعملاء والطالب أهم أنواعه، ووجود عنصر الخدمة مع المنتج في آن واحد في العملية التعليمية، بمعنى أنه ليست عملية التعليم منتج فقط أو خدمة فقط.
والعملاء في العملية التعليمية هم الطلاب والأهالي والموظفين والمجتمع.

كما تتعلق عملية التعليم بالمنهج الذي يتم التدريس به أو تدريسه، ومن هنا تكمن الخطورة… فلو تم تدريس مناهج وأساليب معينة لمجموعة من الطلاب وثبت بعد ذلك خطا هذه الأساليب المتبعة بعد تخرّج هؤلاء الطلاب! فما هو السبيل لعلاج هذا الخطأ الذي سوف يؤثر بدوره على جوانب أخرى كثيرة؟!.

وقد تعددت تعريفات مفهوم الجودة في التعليم، فمن قائل إن جودة التعليم هي ما يجعل التعليم متعة وبهجة، حيث أن المؤسسة التي تجعل طلابها متشوقين لعملية التعليم والتعلّم مشاركين فيه بشكل إيجابي نشط، محققين من خلاله اكتشافاتهم وإبداعاتهم النابعة من استعداداتهم وقدراتهم الملبية لحاجاتهم ومطالب نموهم.

ويرى البعض بأنها كافة النشاطات التي تخدم تحول الطالب إلى متعلم مستقل (Independent Learner / Self-directed Learner)

ومن قائل إن مفهوم الجودة في المجال التربوي تعنى ترجمة احتياجات وتوقعات الطلاب إلى خصائص محددة، تكون أساساً لتعميم الخدمة التربوية وتقديمها للطلاب بما يوافق تطلعاتهم.

والحق يقال إن هناك صعوبات ومعوقات في تطبيق الجودة أو إدارة الجودة داخل المؤسسات التعليمية، حيث أن إدارة الجودة تتطلب اللامركزية في القرار التربوي، وعدم اعتماد نظام المعلومات في المجال التربوي على الأساليب التقليدية، عدم توافر الكوادر المدربة والمؤهلة في مجال إدارة الجودة في العمل التربوي.
ومن المعوقات التمويل المالي، حيث يحتاج تطبيق نظام الجودة في العمل التربوي إلى ميزانية كافية.

وكذلك الإرث الثقافي والاجتماعي الذي يعمل على عدم تقبّل أساليب التطوير والتحسين، حيث تعتبر مقاومة التغير أهم صعوبة يمكن أن تواجه تطبيق نظام الجودة في أي مجال لاسيما التعليم، ولذا ينبغي وضع الأسس والاستراتيجيات المناسبة والتعامل معها بحكمة وبصيرة.

كما ينبغي أن نعي إلى أي مدى يتم تطبيق أسس الجودة في مدراسنا ومؤسساتنا التعليمية وبطريقة منهجية متكاملة؟ وكم عدد الجامعات، المدارس الحكومية أو الخاصة التي طبقت أو تنوي أن تطبق أساليب الجودة في عمليتها؟ وإلى أي مدى تؤمن القيادات في المدارس بأهمية الأخذ بأساليب تجويد التعليم وبتطبيق أفضل الممارسات… والذ لم يتجاوز 12 % حتى الآن في عالمنا العربي.

كما ينبغي علينا أن ندرك متطلبات تطبيق نظام إدارة الجودة في التعليم والمتمثل في دعم وتأييد الإدارة العليا للمؤسسة ولإنشاء وتطبيق نظام إدارة الجودة، وتهيئة مناخ العمل والثقافة التنظيمية للمؤسسة التعليمية، وإنشاء قسم متابعة وقياس الأداء للجودة، والتعليم والتدريب المستمر لكافة الأفراد، وتبنّي الأنماط القيادية المناسبة لمدخل إدارة الجودة، ومشاركة جميع العاملين في العملية لتحسين مستوى الأداء، وتأسيس نظام معلومات دقيق خاص بإدارة الجودة.

وعلينا إعادة النظر في رسالة المؤسسة التعليمية وأهدافها وغايتها واستراتيجيات تعاطيها مع العمل التربوي، وتحديد ماهية التعليم والإعداد التي ترى المؤسسة التعليمية أنها تحقق حاجات الطلاب وتلبي رغباتهم الآنية والمستقبلية، وإعادة النظر في كيفية توظيف واستثمار الموارد بكفاءة وفاعلية، وإعادة هيكلة التنظيم على نحو يتماشى مع واقع المناهج دراسية، ومراجعة محتوى المناهج الدراسية ورعايتها بشكل دوري والتعرّف على مدى توافقها مع متطلبات الحياة العصرية، وتلبية حاجات الطلاب والمجتمع، والنهوض بجودة المناهج المدرسية من حيث المحتوى ووضع الأهداف وإمكانية تحقيقها والتأكّد من واقعيتها في تلبية رغبات الطلاب وأولياء أمورهم والمجتمع.
كما يجب الاهتمام بتطوير طرق التدريس ووسائل التقويم، مما يؤدّي إلى التطوير المتواصل لقدرات ومهارات الطلاب، انطلاقا من مراحل الدراسة الأولى وتحقيق ذلك يجنب الهدر في الطاقات والموارد، لذا يجب إعداد مناهج تربوية مناسبة وتوفير معلمين أكفاء وإدارة تربوية ذكية.

كما ينبغي معرفة الاحتياجات والتوقّعات التي يأمل الطالب والمجتمع فيها مثل؛ المحافظة على الهوية الوطنية والقومية والدينية، والقدرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات، وقدرة الطالب على ضبط الذات وتحمل المسئولية، وامتلاك الطالب مهارات التواصل الأساسية الضرورية للخوض والتكيّف في سوق العمل، والقدرة على استخدام وتطوير التقنيات الحديثة، والعمل بروح الفريق وأن يصبح هذا الطالب عنصرا منتجا داخل المجتمع.

ولتطبيق الجودة في التعليم يوجد مجموعة كبيرة من الأنظمة التي من الممكن أن تؤدي إلى الوصول إلى الأهداف المنشودة في التعليم وأهم هذه الأنظمة:
– المعيار الدولي أيزو 9001 : 2015.
– أنظمة الجودة الشاملة ومنها:
………….o النموذج الأوربي للتميز European Excellence Model الذي تبنته الدول الإسكندنافية وفرنسا وإيطاليا، وبعض الدول العربية.
………….o النظام الاسكتلندي في الجودة SQMS الذي تبنته أستراليا وإنجلترا وبولندا وأيرلندا.
………….o تطبيق مفاهيم الجودة الشاملة TQM الذي تبنته اليابان وبعض مقاطعات الولايات المتحدة.

ولـ جودة التعليم مؤشرات ومعايير مرتبطة بالطلبة؛ من حيث القبول والانتقاء ونسبة عدد الطلاب إلى المعلمين، ومتوسط تكلفة الفرد والخدمات التي تقدم لهم، ودافعية الطلاب واستعدادهم للتعليم، ومعايير مرتبطة بالمعلمين؛ من حيث حجم هيئة التدريس وثقافتهم المهنية واحترام وتقدير المعلمين لطلابهم، ومدى مساهمة المعلمين في خدمة المجتمع، معايير مرتبطة بالمناهج الدراسية؛ من حيث جودة مستواها ومحتواها، والطريقة والأسلوب، ومدى ارتباطها بالواقع، وإلى أي مدى تعكس المناهج الشخصية القومية أو التبعية الثقافية.

كما إن هناك معايير مرتبطة بالإدارة المدرسية؛ من حيث التزام القيادات بالجودة، والعلاقات الإنسانية الجيدة، واختيار الإداريين وتدريبهم، ومعايير مرتبطة بالإدارة التعليمية؛ من حيث التزام القيادات التعليمية بالجودة وتفويض اللامركزية، وتغير نظم الأقدمية، والعلاقات الإنسانية الجيدة واختيار الإداريين والقيادات وتدريبهم.

أيضا توجد معايير مرتبطة بالإمكانات المادية؛ من حيث المبنى المدرسي وقدرته على تحقيق الأهداف ومدى استفادة الطلاب من المكتبة المدرسية والأجهزة والأدوات، ومعايير مرتبطة بالعلاقة بين المؤسسة التعليمية والمجتمع؛ من حيث مدى وفاء المؤسسة التعليمية باحتياجات المجتمع المحيط بها والمشاركة في حل مشكلاته، وربط التخصّصات بطبيعة المجتمع وحاجاته، والتفاعل بين المؤسسة التعليمية بمواردها البشرية والفكرية وبين المجتمع بقطاعاته الإنتاجية والخدمية.

نسأل الله التوفيق في عالمنا العربي لتطوير التعليم والاهتمام به كقضية أمن قومي لكل دولة من دوله، وذلك للنهوض بالمجتمعات وتحقيق آمالها وطموحها.

الكاتب: م. ربيع الزواوي
استشاري نظم الإدارة ومدير عام الشركة

اقرأ ايضا